الظلم وأثره في الإنسان بين الفعل وردة الفعل/أحمدو سيدي محمد الكصري

تانيد ميديا : يمكننا الربط بين العقوبة الدنيوية والأخروية من خلال الإشارة إلى أن الظلم وسوء التسيير لا يؤديان فقط إلى المساءلة القانونية والعقوبة الأخروية، بل قد يعجل الله بعقوبة ظالم الدنيا قبل الآخرة، فتظهر عليه آثار الظلم في حياته على شكل مصائب وأمراض لا مفر منها.
العلاقة بين الظلم والعقوبات الإلهية في الدنيا
الله سبحانه وتعالى توعد الظالمين بعقوبات قد تأتيهم في الدنيا قبل الآخرة، وقد تكون هذه العقوبات على شكل :
1. الأمراض المستعصية: مثل السرطان، الضغط، السكري، الجلطات، وغيرها، والتي قد تصيب الشخص نتيجة الضغوط النفسية الناجمة عن الإحساس بالذنب، أو كثرة الدعوات عليه من المظلومين.
2. زوال النعم : فمن يتعدى على حقوق الآخرين بغير وجه حق قد يجد نفسه فاقدًا لمنصبه أو نفوذه أو حتى ماله وصحته، كما قال تعالى: “وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدًا” (الكهف: 59).
3. ضيق الصدر وفقدان الراحة النفسية: حيث إن الظالم وإن بدا عليه التمتع بامتيازات دنيوية، إلا أنه يعاني من قلق دائم، خوف من انكشاف فساده، واضطرابات نفسية قد تؤدي به إلى الاكتئاب أو حتى الانتحار.
كيف يمكن للظالم تفادي العقوبة ؟
الله عز وجل فتح باب التوبة والإصلاح لمن أراد النجاة من عقوبته في الدنيا والآخرة، وذلك من خلال:
العدل بين الموظفين وإعطاء كل ذي حق حقه.
إعادة الحقوق إلى أهلها إن كان ذلك ممكنًا.
الاعتذار للمظلومين وطلب العفو منهم.
الإكثار من الأعمال الصالحة والاستغفار، فقد ورد في الحديث: “اتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب” (رواه البخاري ومسلم).
دعوة المظلوم التي لا ترد
من أعظم ما قد يواجهه الظالم في الدنيا هو دعوة المظلوم، التي لا يردها الله، بل يقول في الحديث الشريف: “اتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب” (رواه البخاري ومسلم).
هذه الدعوة هي سلاح قوي يمتلكه المظلوم، وهي تتوجه مباشرة إلى الله سبحانه وتعالى، الذي لا يغفل عن ظلم أحد، بل يحقق العدل بين خلقه في الدنيا والآخرة. لذلك، يجب على المسؤولين أو الظالمين أن يحذروا من الظلم، لأن دعوة المظلوم قد تكون سببًا في سخط الله وعقوباته، سواء في الدنيا أو الآخرة.
الظالم قد يشعر بأنه بعيد عن العقاب، لكنه ينسى أن دعوات المظلومين ترفع إلى السماء، والله لا يردها، وقد تكون سببًا في وقوع مصائب، سواء كانت أمراضًا أو فقدانًا للنعم أو تدهورًا في الحياة.
عدم سيطرة المظلوم على نفسه
أحد أخطر الآثار النفسية التي يتعرض لها المظلوم هو أنه قد يصل إلى مرحلة يفقد فيها السيطرة على إدراكه وعقله. عندما يعاني الإنسان من الظلم المستمر ولا يجد من ينصفه أو يحقق له العدالة، فإن إحساسه بالظلم قد يتحول إلى شعور مستمر بالغبن، وقد يُصاب باليأس الكامل من المؤسسات والأنظمة التي يفترض أن تحمي حقوقه. في هذه الحالة، قد لا يكون هم المظلوم هو العقوبة القانونية أو الإدارية للظالم، بل قد يصبح هدفه الوحيد هو الانتقام، وهو ما قد يعمي بصيرته ويجعله لا يفكر في العواقب أو في التوبة.
الانتقام قد يسبب للمظلوم مزيدًا من الأذى النفسي والبدني، ويؤدي به إلى تفشي الظلم في المجتمع بدلًا من إصلاحه. وهذا يجعل من الأهمية بمكان أن يسعى المسؤولون إلى إصلاح الخلل والعدالة، لأن استمرار الظلم قد يؤدي إلى عواقب وخيمة لا يستطيع أحد التكهن بها.
نستخلص
كما أن العقوبات القانونية قد تلاحق الظالم في الدنيا، فإن العقوبات الإلهية قد تأتي على هيئة أمراض، فقدان للنعم، أو ضيق نفسي، وهذه رسالة واضحة لكل مسؤول أو موظف يتلاعب بحقوق الآخرين أن العدل لا يحميه فقط من العقوبة الأخروية، بل يحفظه أيضًا من مصائب الدنيا. وما ظلم ربك أحدًا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون.
في الختام، فإن الظلم ليس فقط ظاهرة قانونية يمكن تصحيحها، بل هو أيضًا مسألة أخلاقية ودينية تؤثر في حياة الناس بشكل عميق. دعوة المظلوم تظل مرفوعة إلى السماء لا ترد، ولا ينبغي للمسؤولين أن يستهينوا بها، كما أن المظلوم الذي يفقد السيطرة على إدراكه قد يتحول إلى شخص يسعى للانتقام بدلًا من العدالة، مما يزيد من دائرة الظلم في المجتمع. لذا، يجب على الجميع، وخاصة المسؤولين، أن يتحلوا بالعدالة والرحمة، وأن يعاملوا الآخرين كما يحبون أن يُعاملوا، تجنبًا للعواقب الدنيوية والأخروية.
أحمدو سيدي محمد الكصري
رمضان كريم